جزاء على ما هو منه ، ولو كان ذلك جزاء على عمله أو خير قام به ، فالله سبحانه هو المنعم عليه بذلك السبب ، فهو المنعم بالسّبب والجزاء ، والكل محض منّته وفضله وجوده ، وليس للعبد من نفسه مثقال ذرة من الخير ، وعلى التقديرين ، فهو لم يضف النعمة إلى الرب من كل وجه ، وإن أضافها إليه من وجه دون وجه ، وهو سبحانه وحده هو المنعم من جميع الوجوه ، على الحقيقة ، بالنعم وأسبابها ، فأسبابها من نعمه على العبد ، وإن حصلت بكسبه ، فكسبه من نعمه.
فكل نعمة فمن الله وحده حتى الشكر ، فإنه نعمة وهي منه سبحانه ، فلا يطيق أحد أن يشكره إلا بنعمته ، وشكره نعمة منه عليه كما قال داود : يا رب كيف أشكرك ، وشكري لك نعمة من نعمك عليّ ، تستوجب شكرا آخر؟! فقال : الآن شكرتني يا داود. ذكره الإمام أحمد ، وذكر أيضا عن الحسن قال : قال داود : إلهي! لو أن لكل شعرة من شعري لسانين يذكرانك بالليل والنهار والدهر كله ، لما أدّوا ما لك عليّ من حق نعمة واحدة.
والمقصود أنّ حال الشاكر ضد حال القائل : إنما أوتيته على علم عندي. ونظير ذلك قوله (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي (٥٠)) [فصلت].
قال ابن عباس يريد : من عندي. وقال مقاتل : يعني أنا أحق بهذا. وقال مجاهد : هذا بعملي ، وأنا محقوق به. وقال الزجاج : هذا واجب بعملي ، استحقيته. فوصف الإنسان بأقبح صفتين ، إن مسه الشر صار إلى حال القانط ، ووجم وجوم الآيس ، فإذا مسّه الخير نسي أنّ الله هو المنعم عليه المفضل بما أعطاه ، فبطر وظن أنه هو المستحق لذلك ، ثم أضاف إلى ذلك تكذيبه بالبعث فقال : وما أظن الساعة قائمة. ثم أضاف إلى ذلك ظنه