الكاذب أنه إن بعث ، كان له عند الله الحسنى ، فلم يدع هذا للجهل والغرور موضعا.
فصل
وفي قوله تعالى (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ (٢٣)) [الجاثية] قول آخر أنه على علم الضال ، كما قيل : على علم منه أن معبوده لا ينفع ولا يضر ، فيكون المعنى : أضله الله مع علمه الّذي تقوم به عليه الحجة ، لم يضله على جهل وعدم علم ، هذا يشبه قوله (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)) [البقرة] وقوله (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨)) [العنكبوت] وقوله (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (١٤)) [النمل] وقوله (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها (٥٩)) [الإسراء] وقول موسى لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ (١٠٢)) [الإسراء] وقوله تعالى (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)) [البقرة] وقوله (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)) [الأنعام] وقوله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ (١١٥)) [التوبة] ونظائره كثيرة.
وعلى هذا التقدير فهو ضال عن سلوك طريق رشده ، وهو يراها عيانا كما في الحديث «أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم ، لم ينفعه الله بعلمه» فإن الضال عن الطريق قد يكون متبعا لهواه ، عالما بأن الرشد والهدى في خلاف ما يعمل.
ولما كان الهدى هو معرفة الحق والعمل به ، كان له ضدان : الجهل ،