والصحيح أن نصيبهم من الكتاب يتناول الأمرين ، فهو نصيبهم من الشقاوة ، ونصيبهم من الأعمال التي هي أسبابها ، ونصيبهم من الأعمار التي هي مدة اكتسابها ، ونصيبهم من الأرزاق التي استعانوا بها على ذلك ، فعمت الآية هذا النصيب كله ، وذكر هؤلاء بعضه وهؤلاء بعضه. هذا على القول الصحيح ، وأن المراد ما سبق لهم في أم الكتاب.
وقالت طائفة : المراد بالكتاب القرآن. قال الزجاج : معنى نصيبهم من الكتاب ، ما أخبر الله من جزائهم نحو قوله : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤)) [الليل] وقوله : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧)) [الجن] قال أرباب هذا القول : وهذا هو الظاهر ، لأنه ذكر عذابهم في القرآن في مواضع ، ثم أخبر أنه ينالهم نصيبهم منه. والصحيح القول الأول ، وهو نصيبهم الذي كتب لهم أن ينالوه قبل أن يخلقوا ، ولهذا القول وجه حسن ، وهو أنّ نصيب المؤمنين منه الرحمة والسعادة ، ونصيب هؤلاء منه العذاب والشقاء ، فنصيب كل فريق منه ما اختاروه لأنفسهم ، وآثروه على غيره ، كما أن حظ المؤمنين منه كان الهدى والرحمة ، فحظ هؤلاء منه الضلال والخيبة ، فكان حظهم من هذه النعمة أن صارت نقمة وحسرة عليهم. وقريب من هذا قوله (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)) [الواقعة] أي : تجعلون حظكم من هذا الرزق الذي به حياتكم التكذيب به قال الحسن : تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون.
قال : وخسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به وقال تعالى (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)) [القمر].
قال عطاء وقاتل : كل شيء فعلوه مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ.
وروى حماد بن زيد ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي : وكل شيء فعلوه في الزبر قال : كتب عليهم قبل أن يعملوه ، وقالت طائفة : المعنى أنه يحصي عليهم في كتب أعمالهم.