تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)) [البروج].
وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث أنّ كلّ كائن إلى يوم القيامة ، فهو مكتوب في أم الكتاب ، وقد دلّ القرآن على أن الرب تعالى كتب في أم الكتاب ما يفعله ، وما يقوله ، فكتب في اللوح أفعاله وكلامه ، فتبّت يدا أبي لهب ، في اللوح المحفوظ ، قبل وجود أبي لهب. وقوله : «لدينا» يجوز فيه أن تكون من صلة أم الكتاب ، أي : أنه في الكتاب الذي عندنا ، وهذا اختيار ابن عباس ، ويجوز أن يكون من صلة الخبر «إنه عليّ حكيم» عندنا ليس هو كما عند المكذبين به ، أي : وإن كذبتم به ، وكفرتم فهو عندنا في غاية الارتفاع والشرف والإحكام.
وقال تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ (٣٧)) [الأعراف] قال سعيد بن جبير ومجاهد وعطية : أي ما سبق لهم في الكتاب من الشقاوة والسعادة ، ثم قرأ عطية (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠)) [الأعراف] والمعنى أن هؤلاء أدركهم ما كتب لهم من الشقاوة ، وهذا قول ابن عباس ، في رواية عطاء قال : يريد ما سبق عليهم في علمي في اللوح المحفوظ ، فالكتاب على هذا القول : الكتاب الأول ، ونصيبهم ما كتب لهم من الشقاوة وأسبابها. وقال ابن زيد والقرطبي والربيع بن أنس ، ينالهم ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال ، فإذا فني نصيبهم ، واستكملوه ، جاءتهم رسلنا يتوفونهم. ورجّح بعضهم هذا القول لمكان حتى التي هي للغاية ، يعني أنهم يستوفون أرزاقهم وأعمارهم إلى الموت.
ولمن نصر القول الأول أن يقول : حتى في هذا الموضع ، هي التي تدخل على الجمل ، ويتصرف الكلام فيها إلى الابتداء كما في قوله : فيا عجبا حتى كليب تسبّني.