وإنزال الكتاب الذي لم يفرط فيه من شيء دليل ، من جهة أمره وكلامه ، فهذا استدلال بأمره ، وذاك بخلقه ، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، وشهد لهذا أيضا قوله (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)) [العنكبوت].
ولمن نصر أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ أن يقول : لما سألوا آية ، أخبرهم سبحانه بأنه لم يترك إنزالها لعدم قدرته على ذلك ، فإنه قادر على ذلك ، وإنما لم ينزلها لحكمته ورحمته بهم وإحسانه إليهم ، إذ لو أنزلها على وفق اقتراحهم ، لعوجلوا بالعقوبة ، إن لم يؤمنوا ، ثم ذكر ما يدل على كمال قدرته بخلق الأمم العظيمة التي لا يحصي عددها إلا هو ، فمن قدر على خلق هذه الأمم ، مع اختلاف أجناسها وأنواعها وصفاتها وهيئاتها ، كيف يعجز عن إنزال آية؟! ثم أخبر عن كمال قدرته وعلمه ، بأنّ هؤلاء الأمم قد أحصاهم وكتبهم ، وقدّر أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم في كتاب ، لم يفرط فيه من شيء ، ثم يميتهم ، ثم يحشرهم إليه ، والذين كذبوا بآياتنا صمّ وبكم في الظلمات عن النظر والاعتبار الذي يؤديهم إلى معرفة ربوبيته ووحدانيته وصدق رسله ، ثم أخبر أن الآيات لا تستقل بالهدى ، ولو أنزلها على وفق اقتراح البشر ، بل الأمر كله له ، من يشأ يضلله ، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ، فهو أظهر القولين ، والله أعلم.
وقال (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)) [الزخرف] قال ابن عباس : في اللوح المحفوظ المقرى عندنا. قال مقاتل : إن نسخته في أصل الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، وأمّ الكتاب أصل الكتاب ، وأمّ كل شيء أصله ، والقرآن كتبه الله في اللوح المحفوظ ، قبل خلق السموات والأرض كما قال