وقال الشافعي : ما نزل بأحد من المسلمين نازلة إلا وفي كتاب الله سبيل الدلالة عليها.
وقالت طائفة : المراد بالكتاب في الآية اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه كل شيء ، وهذا إحدى الروايتين عن ابن عباس ، وكان هذا القول أظهر في الآية ، والسياق يدل عليه ، فإنه قال (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ (٣٨)) [الأنعام] وهذا يتضمن أنها أمم أمثالنا في الخلق والرزق والأكل ، والتقدير الأول ، وأنها لم تخلق سدى ، بل هي معبّدة مذللة ، قد قدّر خلقها وأجلها ورزقها وما تصير إليه ، ثم ذكر عاقبتها ومصيرها بعد فنائها ، ثم قال : إلى ربهم يحشرون ، فذكر مبدأها ونهايتها ، وأدخل بين هاتين الحالتين قوله «ما فرّطنا في الكتاب من شيء» أي : كلها قد كتبت وقدّرت وأحصيت ، قبل أن توجد ، فلا يناسب هذا ذكر كتاب الأمر والنهي ، وإنما يناسب ذكر الكتاب الأول.
ولمن نصر القول الأول أن يجيب عن هذا ، بأن في ذكر القرآن هاهنا الإخبار عن تضمنه لذكر ذلك والإخبار به ، فلم نفرط فيه من شيء ، بل أخبرناكم بكل ما كان وما هو كائن إجمالا وتفصيلا ، ويرجحه أمر آخر ، وهو أن هذا ذكر عقيب قوله (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧)) [الأنعام] فنبههم على أعظم الآيات وأدلّها على صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو الكتاب الذي يتضمن بيان كل شيء ، ولم يفرط فيه من شيء ، ثم نبههم بأنهم أمة من جملة الأمم التي في السموات والأرض ، وهذا يتضمن التعريف بوجود الخالق وكمال قدرته وعلمه ، وسعة ملكه وكثرة جنوده والأمم التي لا يحصيها غيره ، وهذا يتضمن أنه لا إله غيره ، ولا ربّ سواه ، وأنه رب العالمين ، فهذا دليل ، على وحدانيته وصفات كماله من جهة خلقه وقدره.