قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ (٥٣)) [الحج] فأخبر سبحانه أن هذه الفتنة الحاصلة بما ألقى الشيطان هي بجعله سبحانه ، وهذا جعل كوني قدري.
ومن هذا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه : «اللهم اجعلني لك شكّارا ، لك ذكّارا ، لك رهّابا ، لك مطواعا ، لك مخبتا ، إليك أوّاها منيبا» (١) فسأل ربه أن يجعله كذلك ، وهذه كلها أفعال اختيارية واقعة بإرادة العبد واختياره. وفي هذا الحديث : «وسدّد لساني» وتسديد اللسان جعله ناطقا بالسداد من القول ، ومثله قوله في الحديث الآخر : «اللهم اجعلني لك مخلصا» ومثله قوله : «اللهم اجعلني أعظم شكرك وأكثر ذكرك وأتّبع نصيحتك وأحفظ وصيتك».
ومثل قول المؤمنين : ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا. فالصبر وثبات الأقدام فعلان اختياريان ، ولكن التصبير والتثبيت فعل الربّ تعالى ، وهو المسئول. والصبر والثبات فعلهم القائم بهم حقيقة ، ومثله قوله (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ (١٩)) [النمل] وقال ابن عباس والمفسرون بعده : ألهمني. قال أبو إسحاق : وتأويله في اللغة : كفّني عن الأشياء إلا نفس شكر نعمتك ، ولهذا يقال في تفسير «الموزع» المولع ، ومنه الحديث : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم موزعا بالسؤال أي : مولعا به ، كأنه كفّ ومنع إلا منه.
__________________
(١) صحيح. رواه أحمد (١ / ٢٢٧) ، والترمذي (٣٥٥١) ، وابن ماجة (٣٨٣٠) ، وغيرهم عن ابن عباس.