وقال في الصحاح : وزعته أزعه وزعا ، كففته ، فاتّزع عنه ، أي : كفّ ، وأوزعته بالشيء : أغريته به ، فأوزع به ، فهو موزع به ، واستوزعت الله شكره ، فأوزعني ، أي : استلهمته ، فألهمني. فقد دار معنى اللفظة على معنى ألهمني ذلك ، واجعلني مغرى به ، وكفّني عما سواه. وعند القدرية أن هذا غير مقدور للرب ، بل هو غير مقدور العبد.
فصل
ومن ذلك قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧)) [الحجرات] فتحبيبه سبحانه الإيمان إلى عباده المؤمنين هو إلقاء محبته في قلوبهم ، وهذا لا يقدر عليه سواه ، وأما تحبيب العبد الشيء إلى غيره فإنما هو بتزيينه وذكر أوصافه وما يدعو إلى محبته ، فأخبر سبحانه أنه جعل في قلوب عباده المؤمنين الأمرين : حبّه وحسنه الداعي إلى حبه ، وألقى في قلوبهم كراهة ضده من الكفر والفسوق والعصيان ، وإن ذلك محض فضله ومنّته عليهم ، حيث لم يكلهم إلى أنفسهم ، بل تولى هو سبحانه هذا التحبيب والتزيين وتكريه ضده ، فجاد عليهم به فضلا منه ونعمة ، والله عليم بمواقع فضله ومن يصلح له ومن لا يصلح له ، حكيم بجعله في مواضعه ، ومن ذلك قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)) [الأنفال] (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (١٠٣)) [آل عمران].