عليه فيه ، واحتجوا بقوله : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)) [الانشقاق] قالوا أي : غير ممنون به عليهم ، إذ هو جزاء أعمالهم وأجورها. قالوا : والمنّة تكدّر النعمة والعطية ، ولم يدعوا هؤلاء للجهل بالله موضعا ، وقاسوا منّته على منة المخلوق ، فإنهم مشبّهة في الأفعال معطّلة في الصفات ، وليست المنة في الحقيقة ، إلا لله ، فهو المانّ بفضله ، وأهل سماواته وأهل أرضه في محض منته عليهم ، قال تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧)) [الحجرات] وقال تعالى لكليمه موسى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧)) [طه] وقال : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤)) [الصافات] وقال : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥)) [القصص].
ولما قال النبي صلىاللهعليهوسلم للأنصار : «ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي؟ قالوا : الله ورسوله أمنّ» (١).
وقال الرسل لقومهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (١١)) [إبراهيم] فمنّه سبحانه محض إحسانه وفضله ورحمته ، وما طاب عيش أهل الجنة فيها إلا بمنته عليهم ، ولهذا قال أهلها (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧)) [الطور] فأجزوا لمعرفتهم بربهم وحقه عليهم ، أن نجّاهم من عذاب السموم ، بمحض منته عليهم.
وقد قال أعلم الخلق بالله وأحبهم إليه وأقربهم منه وأطوعهم له : «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا
__________________
(١) رواه البخاري (٤٣٣٠) ، ومسلم (١٠٦١) عن عبد الله بن زيد بن عاصم.