فصل
ومن ذلك قوله تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥)) [إبراهيم] فها هنا أمران : تجنيب عبادتها واجتنابه ، فسأل الخليل ربه أن يجنّبه وبنيه عبادتها ، ليحصل منهم اجتنابها ، فالاجتناب فعلهم ، والتجنيب فعله ، ولا سبيل إلى فعلهم إلا بعد فعله.
ونظير ذلك قول يوسف الصديق : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)) [يوسف] وصرف كيدهن هو صرف دواعي قلوبهن ومكرهن بألسنتهن وأعمالهن ، وتلك أفعال اختيارية ، وهو سبحانه الصارف لها ، فالصّرف فعله ، والانصراف أثر فعله ، وهو فعل النسوة.
ومن ذلك قوله سبحانه لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤)) [الإسراء] فالتثبيت فعله ، والثبات فعل رسوله ، فهو سبحانه المثبت وعبده الثابت.
ومثله قوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧)) [إبراهيم] فأخبر سبحانه أن تثبيت المؤمنين وإضلال الظالمين فعله ، فإنه يفعل ما يشاء ؛ وأما الثبات والضلال فمحض أفعالهم.
ومن ذلك قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً