يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ (١٣)) [المائدة] فأخبر أنه هو الذي قسّى قلوبهم حتى صارت قاسية ، فالقساوة وصفها وفعلها وهي أثر فعله ، وهو جعلها قاسية ، وذلك إثر معاصيهم ونقضهم ميثاقهم وتركهم بعض ما ذكروا به ، فالآية مبطلة لقول القدرية والجبرية.
فصل
ومن ذلك قوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦)) [الدخان] وهم إنما خرجوا باختيارهم ، وقد أخبر أنه هو الذي أخرجهم ، فالإخراج فعله حقيقة ، والخروج فعلهم حقيقة ، ولو لا إخراجه لما خرجوا ، وهذا بخلاف قوله : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨)) [نوح] وقوله : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (٢)) [الحشر] وقوله : (أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ (٧٨)) [النحل] فإنّ هذا إخراج لا صنع لهم فيه ، فإنه بغير اختيارهم وإرادتهم ، وأما قوله :(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ (٥)) [الأنفال] فيحتمل أن يكون إخراجا بقدره ومشيئته ، فيكون من الأول ، ويحتمل أن يكون إخراجا يوجبه بأمره ، فلا يكون من هذا ، فيكون الإخراج في كتاب الله ثلاثة أنواع. أحدها : إخراج الخارج باختياره ومشيئته. والثاني : إخراجه قهرا وكرها. والثالث : إخراجه أمرا وشرعا.