فصل
وقد ظن طائفة من الناس أن من هذا الباب قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى (١٧)) [الأنفال] وجعلوا ذلك من أدلتهم على القدرية ، ولم يفهموا مراد الآية ، وليست من هذا الباب ، فإن هذا خطاب لهم في وقعة بدر ، حيث أنزل الله سبحانه ملائكته ، فقتلوا أعداءه ، فلم يفرد المسلمون بقتلهم ، بل قتلتهم الملائكة. وأما رميه صلىاللهعليهوسلم فمقدوره كان هو الحذف والإلقاء ، وأما إيصال ما رمى به إلى وجوه العدو مع البعد ، وإيصال ذلك إلى وجوه جميعهم ، فلم يكن من فعله ولكنه فعل الله وحده ، فالرمي يراد به الحذف والإيصال ، فأثبت له الحذف بقوله :
إذ رميت ، ونفى عنه الإيصال بقوله : وما رميت.
فصل
ومن ذلك قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣)) [النجم] والضحك والبكاء فعلان اختياريان ، فهو سبحانه المضحك المبكي حقيقة ، والعبد هو الضاحك الباكي حقيقة ، وتأويل الآية بخلاف ذلك إخراج للكلام عن ظاهره بغير موجب ، ولا منافاة بين ما يذكر من تلك التأويلات وبين ظاهره ، فإن إضحاك الأرض بالنبات وإبكاء السماء بالمطر ، وإضحاك العبد وإبكاءه بخلق آلات الضحك والبكاء له ، لا ينافي حقيقة اللفظ وموضوعه ومعناه من أنه جاعل