العبد ، ولهذا أثنى على من يسأله أن يصبره ، فقال تعالى : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ (٢٥١)) [البقرة] ففي الآية أربعة أدلة.
أحدها : قولهم : «أفرغ علينا صبرا» ، والصبر فعلهم الاختياري ، فسألوه ممن هو بيده ومشيئته وإذنه ، إن شاء أعطاهموه ، وإن شاء منعهموه.
الثاني : قولهم : «وثبّت أقدامنا» ، وثبات الأقدام فعل اختياري ، ولكنّ التثبيت فعله ، والثبات فعلهم ، ولا سبيل إلى فعلهم إلا بعد فعله.
الثالث : قولهم : «وانصرنا على القوم الكافرين» فسألوه النصر وذلك بأن يقوّي عزائمهم ، ويشجعهم ويصبرهم ويثبتهم ، ويلقي في قلوب أعدائهم الخور والخوف والرعب ، فيحصل النصر ، وأيضا فإنّ كون الإنسان منصورا على غيره ، إما أن يكون بأفعال الجوارح ، وهو واقع بقدرة العبد واختياره ، وإما أن يكون بالحجة والبيان والعلم ، وذلك أيضا فعل العبد ، وقد أخبر سبحانه أن النصر بجملته من عنده ، وأثنى على من طلبه منه ، وعند القدرية لا يدخل تحت مقدور الرب.
الرابع : قوله : «فهزموهم بإذن الله» وإذنه هاهنا هو الإذن الكونيّ القدريّ ، أي : بمشيئته وقضائه. وقدره ليس هو الإذن الشرعي الذي بمعنى الأمر ، فإن ذلك لا يستلزم الهزيمة بخلاف إذنه الكوني وأمره الكونيّ ، فإنّ المأمور المكون لا يتخلف عنه البتة.