فصل
ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ (٢٨)) [الكهف].
وفي الآية ردّ ظاهر على الطائفتين وإبطال لقولهما ، فإنه سبحانه أغفل قلب العبد عن ذكره ، فغفل هو. فالإغفال فعل الله. والغفلة فعل العبد. ثم أخبر عن اتّباعه هواه ، وذلك فعل العبد حقيقة ، والقدرية تحرّف هذا النص وأمثاله بالتسمية والعلم ، فيقولون : معنى أغفلنا قلبه ، سميناه غافلا ، أو وجدناه غافلا ، أي : علمناه كذلك ، وهذا من تحريفهم. بل أغفلته مثل أقمته وأقعدته وأغنيته وأفقرته ، أي : جعلته كذلك ، وأما أفعلته أو أوجدته كذلك كأحمدته وأجبنته وأبخلته وأعجزته فلا يقع في أفعال الله البتة ، إنما يقع في أفعال العاجز ، أن يجعل جبانا وبخيلا وعاجزا ، فيكون معناه : صادفته كذلك ، وهل يخطر بقلب الداعي : اللهم أقدرني أو أوزعني وألهمني ، أي : سمّني وأعلمني كذلك ، وهل هذا إلا كذب عليه وعلى المدعو سبحانه. والعقلاء يعلمون علما ضروريا أنّ الداعي إنما سأل الله أن يخلق له ذلك ، ويشاءه له ، ويقدره عليه ، حتى القدري إذا غابت عنه بدعته وما تقلده عن أشياخه وأسلافه ، وبقي وفطرته ، لم يخطر بقلبه سوى ذلك. وأيضا فلا يمكن أن يكون العبد هو المغفل لنفسه عن الشيء ، فإن إغفاله لنفسه عنه مشروط بشعوره به ، وذلك مضاد لغفلته عنه ، بخلاف إغفال الرب تعالى له ، فإنه لا يضاد علمه بما يغفل عنه العبد ، وبخلاف غفلة العبد ، فإنها لا تكون إلا مع عدم شعوره بالمغفول عنه ؛ وهذا ظاهر جدا. فثبت أنّ الإغفال فعل