فصل
وهذا الهدهد من أهدى الحيوان وأبصره بمواضع الماء تحت الأرض ، لا يراه غيره ، ومن هدايته ما حكاه الله عنه في كتابه أن قال لنبيّ الله سليمان ، وقد فقده وتوعّده ، فلما جاءه بدره بالعذر قبل أن ينذره سليمان بالعقوبة ، وخاطبه خطابا هيّجه به على الإصغاء إليه والقبول منه ، فقال : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ (٢٢)) [النمل] ، وفي ضمن هذا أنّي أتيتك بأمر ، قد عرفته حق المعرفة بحيث أحطت به ، وهو خبر عظيم له شأن ، فلذلك قال : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢)) [النمل] ، والنبأ هو الخبر الذي له شأن ، والنفوس متطلعة إلى معرفته. ثم وصفه بأنه نبأ يقين ، لا شكّ فيه ولا ريب ، فهذه مقدمة بين يدي إخباره لنبي الله بذلك النبأ ، استفرغت قلب المخبر لتلقّي الخبر ، وأوجبت له التشوّف التام إلى سماعه ومعرفته ؛ وهذا نوع من براعة الاستهلال وخطاب التهييج.
ثم كشف عن حقيقة الخبر كشفا مؤكدا بأدلة التأكيد فقال : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ (٢٣)) [النمل] ، ثم أخبر عن شأن تلك الملكة ، وأنها من أجلّ الملوك بحيث أوتيت من كل شيء يصلح أن تؤتاه الملوك ثم زاد في تعظيم شأنها بذكر عرشها الذي تجلس عليه وأنه عرش عظيم ، ثم أخبره بما يدعوهم إلى قصدهم وغزوهم في عقر دارهم بعد دعوتهم إلى الله ، فقال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ (٢٤)) [النمل] ؛ وحذف أداة العطف من هذه الجملة ، وأتى بها مستقلة غير معطوفة على ما قبلها إيذانا بأنها هي المقصودة ، وما قبلها توطئة لها ، ثم أخبر عن المغوي لهم الحامل لهم على