فرسخ فما دونها ، وتنهي الأخبار والأغراض والمقاصد التي تتعلق بها مهمات الممالك والدول ، والقيّمون بأمرها يعتنون بأنسابها اعتناء عظيما ، فيفرقون بين ذكورها وإناثها وقت السفاد ، وتنقل الذكور عن إناثها إلى غيرها والإناث عن ذكورها ، ويخافون عليها من فساد أنسابها وحملها من غيرها ، ويتعرفون صحة طرقها ومحلها ، لا يأمنون أن تفسد الأنثى ذكرا من عرض الحمام ، فتعتريها الهجنة ، والقيّمون بأمرها لا يحفظون أرحام نسائهم ، ويحتاطون لها ، كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون لها ، والقيّمون لهم في ذلك قواعد وطرق ، يعتنون بها غاية الاعتناء ، بحيث إذا رأوا حماما ساقطا ، لم يخف عليهم حسبها ونسبها وبلدها ، ويعظمون صاحب التجربة والمعرفة ، وتسمح أنفسهم بالجعل الوافر له ، ويختارون لحمل الكتب والرسائل الذكور منها ، ويقولون : هو أحنّ إلى بيته ، لمكان أنثاه ، وهو أشد متنا وأقوى بدنا وأحسن اهتداء.
وطائفة منهم يختار لذلك الإناث ، ويقولون : الذكر إذا سافر وبعد عهده ، حنّ إلى الإناث ، وتاقت نفسه إليهن ، فربما رأى أنثى في طريقه ومجيئه ، فلا يصبر عنها ، فيترك المسير ، ومال قضاء وطره منها. وهدايته على قدر التعليم والتوطين.
والحمام موصوف باليمن والألف للناس ، ويحب الناس ويحبونه ، ويألف المكان ، ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه ، وإن أساء إليه ، ويعود إليه من مسافات بعيدة ، وربما صدّ ، فترك وطنه عشر حجج ، وهو ثابت على الوفاء ، حتى إذا وجد فرصة واستطاعة ، عاد إليه.
والحمام ، إذا أراد السفاد ، يلطف للأنثى غاية اللطف ، فيبدأ بنشر ذنبه