وذكر ابن الأعرابي قال : أكلت حية بيض مكّاء ، فجعل المكاء يصوّت ويطير على رأسها ، ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها ، وهمت به ، ألقى حسكة ، فأخذت بحلقها حتى ماتت ، وأنشد أبو عمرو الشيباني في ذلك قول الأسدي :
إن كنت أبصرتني عيلا ومصطلما |
|
فربما قتل المكّاء ثعبانا (١) |
وهداية الحيوانات إلى مصالح معاشها كالبحر ، حدّث عنه ولا حرج ، ومن عجيب هدايتها أنّ الثعلب إذا امتلأ من البراغيث ، أخذ صوفة بفمه ، ثم عمد إلى ماء رقيق ، فنزل فيه قليلا قليلا حتى ترتفع البراغيث إلى الصوفة ، فيلقيها في الماء ويخرج.
ومن عجيب أمره أن ذئبا أكل أولاده ، وكان للذئب أولاد ، وهناك زبية (٢). فعمد الثعلب وألقى نفسه فيها ، وحفر فيها سردابا يخرج منه ، ثم عمد إلى أولاد الذئب ، فقتلهم ، وجلس ناحية ينتظر الذئب ، فلما أقبل ، وعرف أنها فعلته ، هرب قدّامه وهو يتبعه ، فألقى نفسه في الزبية ثم خرج من السرداب ، فألقى الذئب نفسه وراءه ، فلم يجده ، ولم يطق الخروج ، فقتله أهل الناحية.
ومن عجيب أمره أن رجلا كان معه دجاجتان ، فاختفى له (٣) ، وخطف إحداهما ، وفر ، ثم أعمل فكره في أخذ الأخرى ، فتراءى : لصاحبها من بعيد ، وفي فمه شيء شبيه بالطائر ، وأطمعه في استعادتها ، بأن تركه وفرّ ، فظن الرجل أنها الدجاجة ، فأسرع نحوها ، وخالفه الثعلب إلى أختها ، فأخذها وذهب.
__________________
(١) مصطلما : مستأصلا (أصبح منتهيا ، لشدة ضعفه).
(٢) زبية : حفرة تحتفر لصيد الأسد أو الذئب ، وتكون عادة في مكان مرتفع. اللسان.
(٣) أي : الثعلب.