فصل
وقالت طائفة منهم : الكافر هو الذي طبع على قلب نفسه في الحقيقة ، وختم على قلبه ، والشيطان أيضا فعل ذلك ، ولكن لما كان الله سبحانه هو الذي أقدر العبد والشيطان على ذلك ، نسب الفعل إليه ، لإقراره للفاعل على ذلك ، لأنه هو الذي فعله.
قال أهل السنة والعدل : هذا كلام فيه حق وباطل ، فلا يقبل مطلقا ، ولا يردّ مطلقا ، فقولكم : إن الله سبحانه أقدر الكافر والشيطان ، على الطبع والختم ، كلام باطل ، فإنه لم يقدره إلا على التزيين والوسوسة والدعوة إلى الكفر ، ولم يقدره على خلق ذلك في قلب العبد البتة ، وهو أقلّ من ذلك وأعجز ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : بعثت داعيا ومبلغا ، وليس إليّ من الهداية شيء. وخلق إبليس مزيّنا ، وليس إليه من الضلالة شيء ، فمقدور الشيطان أن يدعو العبد إلى فعل الأسباب التي إذا فعلها ختم الله على قلبه وسمعه ، وطبع عليه ، كما يدعوه إلى الأسباب التي إذا فعلها ، عاقبه الله بالنار فعقابه بالنار كعقابه بالختم والطبع ، وأسباب العقاب فعله ، وتزيينها وتحسينها فعل الشيطان ، والجميع مخلوق لله.
وأما ما في هذا الكلام من الحق ، فهو أن الله سبحانه أقدر العبد على الفعل الذي أوجب الطبع والختم على قلبه ، فلولا إقدار الله له على ذلك ، لم يفعله ، وهذا حق.
لكن القدرية لم توف هذا الموضع حقه ، وقالت : أقدره قدرة تصلح للضدين ، فكان فعل أحدهما باختياره ومشيئته التي لا تدخل تحت مقدور