يقول الحقّ ، وهو يهدي السبيل. فهذا العدل والتوحيد اللذين دلّ عليهما القرآن ، لا يتناقضان. وأما توحيد أهل القدر والجبر وعدلهم ، فكلّ منهما يبطل الآخر ويناقضه.
فصل
ومن سلك من القدرية هذه الطريق ، فقد توسط بين الطائفتين ، لكنه يلزمه الرجوع إلى مثبتي القدر قطعا ، وإلّا تناقض أبين تناقض ، فإنه إذا زعم أنّ الضلال والطبع والختم والقفل والوقر وما يحول بين العبد وبين الإيمان مخلوق لله ، وهو واقع بقدرته ومشيئته ، فقد أعطى أن أفعال العباد مخلوقة ، وأنها واقعة بمشيئته ، فلا فرق بين الفعل الابتدائي والفعل الجزائي إن كان هذا مقدورا لله واقعا بمشيئته ، والآخر كذلك ، وإن لم يكن ذاك مقدورا ، ولا يصح دخوله تحت المشيئة ، فهذا كذلك ، والتفريق بين النوعين تناقض محض ، وقد حكى هذا التفريق عن بعض القدرية أبو القاسم الأنصاري في شرحه «الإرشاد» فقال : ولقد اعترف بعض القدرية بأنّ الختم والطبع توابع ، غير أنها عقوبات من الله لأصحاب الجرائم. قال : وممن صار إلى هذا المذهب عبد الواحد بن زيد البصري وبكر ابن أخته ، قال : وسبيل المعاقبين بذلك سبيل المعاقبين بالنار ، وهؤلاء قد بقي عليهم درجة واحدة ، وقد تحيّزوا إلى أهل السنة والحديث.