قلت : فعلى هذا القول الأول يكون المراد : إنه في تصرفه في ملكه يتصرف بالعدل ، ومجازاة المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ولا يظلم مثقال ذرة ، ولا يعاقب أحدا بما لم يجنه ، ولا يهضمه ثواب ما عمله ، ولا يحمل عليه ذنب غيره ، ولا يأخذ أحدا بجريرة أحد ، ولا يكلف نفسا ما لا تطيقه ، فيكون من باب : له الملك وله الحمد ، ومن باب : ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك ، ومن باب : الحمد لله رب العالمين ، أي : كما أنه رب العالمين المتصرف فيهم بقدرته ومشيئته ، فهو المحمود على هذا التصرف ، وله الحمد على جميعه.
وعلى القول الثاني المراد به : التهديد والوعيد ، وأنّ مصير العباد إليه وطريقهم عليه ، لا يفوته منهم أحد ، كما قال تعالى : (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١)) [الحجر].
قال الفراء : يقول : مرجعهم إليّ ، فأجازيهم ، كقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤)) [الفجر]. قال : وهذا كما تقول في الكلام : طريقك عليّ ، وأنا على طريقك ، لمن أوعدته. وكذلك قال الكلبي والكسائي. ومثل قوله (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ (٩)) [النحل] على أحد القولين في الآية.
وقال مجاهد : الحق يرجع إلى الله ، وعليه طريقه ، ومنها ، أي : ومن السبيل ما هو جائر عن الحق ، ولو شاء لهداكم أجمعين ، فأخبر عن عموم مشيئته ، وأن طريق الحق عليه موصلة إليه ، فمن سلكها فإليه يصل ، ومن عدل عنها ، فإنه يضل عنه.
والمقصود أن هذه الآيات تتضمن عدل الربّ تعالى وتوحيده ، والله يتصرف في خلقه بملكه وحمده وعدله وإحسانه ، فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وشرعه وقدره وثوابه وعقابه ، يقول الحقّ ويفعل العدل ، والله