لذلك ، وأن الأمر إليهم لا إليه.
وتأمل قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ماض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك» (١) كيف ذكر العبد في القضاء مع الحكم النافذ ، وفي ذلك ردّ لقول الطائفتين القدرية والجبرية. فإنّ العدل الذي أثبتته القدرية مناف للتوحيد معطل لكمال قدرة الرب وعموم مشيئته. والعدل الذي أثبتته الجبرية مناف للحكمة والرحمة ولحقيقة العدل. والعدل الذي هو اسمه وصفته ونعته سبحانه خارج عن هذا وهذا ، ولم يعرفه إلا الرسل وأتباعهم ، ولهذا قال هود عليه الصلاة والسلام لقومه : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)) [هود] فأخبر عن عموم قدرته ونفوذ مشيئته وتصرفه في خلقه كيف شاء ، ثم أخبر أنه في هذا التصرف والحكم على صراط مستقيم.
وقال أبو إسحاق : أي : هو سبحانه ، وإن كانت قدرته تنالهم بما شاء ، فإنه لا يشاء إلا العدل.
وقال ابن الأنباري : لما قال : (هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) ، كان في معنى : لا يخرج من قبضته ، وأنه قاهر بعظيم سلطانه لكل دابة ، فأتبع قوله : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، قال : وهذا نحو كلام العرب ، إذا وصفوا بحسن السيرة والعدل والإنصاف قالوا : فلان على طريقة حسنة ، وليس ثمّ طريق. ثم ذكر وجها آخر ، فقال : لما ذكر أن سلطانه قد قهر كل دابة ، أتبع هذا قوله : إن ربي على صراط مستقيم ، أي : لا تخفى عليه مشيئته ، ولا يعدل عنه هارب ، فذكر الصراط المستقيم ، وهو يعني به الطريق الذي لا يكون لأحد مسلك إلا عليه ، كما قال : إن ربك لبالمرصاد.
__________________
(١) سبق تخريجه.