بها الكافرون وجحدوها ، وكذبوا من جاء بها ، ووطنوا أنفسهم على مخالفة ما تضمنته وإنكاره ، فازدادوا بذلك رجسا ، فنسب إليها ، إذ كان نزولها ووصولها إليهم هو السبب في تلك الزيادة. فأين هذا من نسبة الأفعال القبيحة عندكم التي لا تجوز نسبتها إلى الله عند دعوتهم إلى الإيمان وتدبر آياته ، على أن أفعالهم القبيحة لا تنسب إلى الله سبحانه ، وإنما هي منسوبة إليهم ، والمنسوب إليه سبحانه أفعاله الحسنة الجميلة المتضمنة للغايات المحمودة والحكم المطلوبة.
والختم والطبع والقفل والإضلال أفعال حسنة من الله ، وضعها في أليق المواضع بها ، إذ لا يليق بذلك المحلّ الخبيث غيرها.
والشرك والكفر والمعاصي والظلم أفعالهم القبيحة التي لا تنسب إلى الله فعلا ، وإن نسبت إليه خلقا ، فخلقها غيرها ، والخلق غير المخلوق ، والفعل غير المفعول ، والقضاء غير المقضي ، والقدر غير المقدور.
وستمرّ بك هذه المسألة مستوفاة ، إن شاء الله ، في باب اجتماع الرضاء بالقضاء ، وسخط الكفر والفسوق والعصيان ، إن شاء الله.
قالت القدرية : لما بلغوا في الكفر إلى حيث لم يبق طريق إلى الإيمان لهم إلا بالقسر والإلجاء ، ولم تقتض حكمته تعالى أن يقسرهم على الإيمان ، لئلا تزول حكمة التكليف ، عبّر عن ترك الإلجاء والقسر بالختم والطبع إعلاما لهم بأنهم انتهوا في الكفر والإعراض إلى حيث لا ينتهون عنه إلا بالقسر ، وتلك الغاية في وصف لجاجهم وتماديهم في الكفر.
قال أهل السنة : هذا كلام باطل ، فإنه سبحانه قادر على أن يخلق فيهم مشيئة الإيمان وإرادته ومحبته ، فيؤمنون بغير قسر ولا إلجاء ، بل إيمان اختيار وطاعة ، كما قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ