جَمِيعاً (٩٩)) [يونس].
وإيمان القسر والإلجاء لا يسمى إيمانا ، ولهذا يؤمن الناس كلهم يوم القيامة ، ولا يسمى ذلك إيمانا ، لأنه عن إلجاء واضطرار. قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها (١٣)) [السجدة] وما يحصل للنفوس من المعرفة والتصديق بطريق الإلجاء والاضطرار والقسر لا يسمى هدى ، وكذلك قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً (٣١)) [الرعد].
فقولكم : لم يبق طريق إلى الإيمان إلا بالقسر باطل ، فإنه بقي إلى إيمانهم طريق ، لم يرهم الله إياه ، وهو مشيئته وتوفيقه وإلهامه ، وإمالة قلوبهم إلى الهدى ، وإقامتها على الصراط المستقيم ، وذلك أمر لا يعجز عنه ربّ كل شيء ومليكه ، بل هو القادر عليه ، كقدرته على خلقه ذواتهم وصفاتهم ودرائهم ، ولكن منعهم ذلك لحكمته وعدله فيهم وعدم استحقاقهم وأهليتهم لبذل ذلك لهم ، كما منع السّفل خصائص العلو ، ومنع الحار خصائص البارد ، ومنع الخبيث خصائص الطيب ، ولا يقال : فلم فعل هذا؟ فإن ذلك من لوازم ملكه وربوبيته ، ومن مقتضيات أسمائه وصفاته ، وهل يليق بحكمته أن يسوي بين الطيب والخبيث والحسن والقبيح والجيد والرديء؟!.
ومن لوازم الربوبية خلق الزوجين ، وتنويع المخلوقات وأخلاقها. فقول القائل : لم خلق الرديء والخبيث واللئيم؟ سؤال جاهل بأسمائه وصفاته وملكه وربوبيته ، وهو سبحانه فرّق بين خلقه أعظم تفريق ، وذلك من كمال قدرته وربوبيته ، فجعل منه ما يقبل جميع الكمال الممكن ، ومنه ما لا يقبل شيئا منه ، وبين ذلك درجات متفاوتة ، لا يحصيها إلا الخلّاق العليم. وهدى كل نفس إلى حصول ما هي قابلة له. والقابل والمقبول والقبول كله مفعوله ومخلوقه وأثر فعله وخلقه ، وهذا هو الذي ذهب عن الجبرية والقدرية ، ولم يهتدوا إليه ، وبالله التوفيق.