قالت القدرية : الختم والطبع هو شهادته سبحانه عليهم ، بأنهم لا يؤمنون ، وعلى أسماعهم وعلى قلوبهم.
قال أهل السنة : هذا هو قولكم بأنّ الختم والطبع هو الإخبار عنهم بذلك ، وقد تقدم فساد هذا بما فيه كفاية ، وأنه لا يقال في لغة من لغات الأمم ، لمن أخبر عن غيره ، بأنه مطبوع على قلبه ، وأن عليه ختما ، أنه قد طبع على قلبه ، وختم عليه ، بل هذا كذب على اللغات وعلى القرآن ، وكذلك قول من قال : إنّ ختمه على قلوبهم اطّلاعه على ما فيها من الكفر ، وكذلك قول من قال : إنه إحصاؤه عليهم حتى يجازيهم به ، وقول من قال : إنه إعلامها بعلامة ، تعرفها بها الملائكة ، وقد بيّنا بطلان ذلك بما فيه كفاية.
قالت القدرية : لا يلزم من الطبع والختم والقفل أن تكون مانعة من الإيمان ، بل يجوز أن يجعل الله فيهم ذلك ، من غير أن يكون منعهم من الإيمان ، بل يكون ذلك من جنس الغفلة والبلادة والعشا في البصر ، فيورث ذلك إعراضا عن الحق وتعاميا عنه ، ولو أنعم النظر وتفكر وتدبر ، لما آثر على الإيمان غيره.
وهذا الذي قالوه يجوز أن يكون في أول الأمر ، فإذا تمكّن واستحكم من القلب ورسخ فيه ، امتنع معه الإيمان ، ومع هذا فهو أثر فعله وإعراضه وغفلته وإيثار شهوته وكبره على الحق والهدى ، فلما تمكن فيه واستحكم ، صار صفة راسخة وطبعا وختما وقفلا ورانا ، فكان مبدأه غير حائل بينهم وبين الإيمان ، والإيمان ممكن معه ، ولو شاءوا لآمنوا مع مبادئ تلك الموانع ، فلما استحكمت ، لم يبق إلى الإيمان سبيل ، ونظير هذا أن العبد يستحسن ما يهواه ، فيميل إليه بعض الميل ، ففي هذه الحال يمكن صرف الداعية له إذا الأسباب لم تستحكم ، فإذا استمر على ميله واستدعى أسبابه