فصل
ومما ينبغي أن يعلم : أنه لا يمتنع ، مع الطبع والختم والقفل ، حصول الإيمان بأن يفكّ الذي ختم على القلب وطبع عليه وضرب عليه القفل ذلك الختم والطابع والقفل ، ويهديه بعد ضلاله ، ويعلّمه بعد جهله ، ويرشده بعد غيّة ، ويفتح قفل قلبه بمفاتيح توفيقه التي هي بيده ، حتى لو كتب على جبينه الشقاوة والكفر ، لم يمتنع أن يمحوها ، ويكتب عليه السعادة والإيمان.
وقرأ قارئ عند عمر بن الخطاب : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)) [محمد] ، وعنده شاب ، فقال : اللهمّ عليها أقفالها ، ومفاتيحها بيدك ، لا يفتحها سواك ، فعرفها له عمر ، وزادته عنده خيرا. وكان عمر يقول في دعائه : اللهم إن كنت كتبتني شقيا ، فامحني ، واكتبني سعيدا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. فالرب تعالى فعال لما يريد ، لا حجر عليه.
وقد ضلّ هاهنا فريقان : القدرية حيث زعمت أن ذلك ليس مقدورا للرب ، ولا يدخل تحت فعله ، إذ لو كان مقدورا له ، ومنعه العبد لناقض جوده ولطفه.
والجبرية حيث زعمت أنه سبحانه إذا قدّر قدرا ، أو علم شيئا ، فإنه لا يغيّره بعد هذا ، ولا يتصرف فيه بخلاف ما قدّره وعلمه.
والطائفتان حجرت على من لا يدخل تحت حجر أحد أصلا ، وجميع خلقه تحت حجره شرعا وقدرا ، وهذه المسألة من أكبر مسائل القدر. وسيمر بك إن شاء الله في باب المحو والإثبات ما يشفيك فيها. والمقصود أنه مع