الطبع والختم والقفل لو تعرض العبد ، أمكنه فكّ ذلك الختم والطابع وفتح ذلك القفل ، يفتحه من بيده مفاتيح كل شيء. وأسباب الفتح مقدورة للعبد غير ممتنعة عليه ، وإن كان فك الختم وفتح القفل غير مقدور له ، كما أنّ شرب الدواء مقدور له ، وزوال العلة وحصول العافية غير مقدور ، فإذا استحكم به المرض ، وصار صفة لازمة له ، لم يكن له عذر في تعاطي ما إليه من أسباب الشفاء ، وإن كان غير مقدور له ، ولكن لما ألف العلة وساكنها ، ولم يحبّ زوالها ، ولا آثر ضدها عليها ، مع معرفته بما بينها وبين ضدها من التفاوت ، فقد سدّ على نفسه باب الشفاء بالكلية ، والله سبحانه يهدي عبده ، إذا كان ضالا ، وهو يحسب أنه على هدى ، فإذا تبين له الهدى لم يعدل عنه لمحبته وملاءمته لنفسه ، فإذا عرف الهدى ، فلم يحبه ولم يرض به ، وآثر عليه الضلال ، مع تكرر تعريفه منفعة هذا وخيره ، ومضرّة هذا وشره ، فقد سد على نفسه باب الهدى بالكلية ، فلو أنه في هذه الحال تعرض وافتقر إلى من بيده هداه ، وعلم أنه ليس إليه هدى نفسه ، وأنه إن لم يهده الله فهو ضال ، وسأل الله أن يقبل بقلبه ، وأن يقيه شرّ نفسه ، وفّقه وهداه ، بل لو علم الله منه كراهية بما هو عليه من الضلال وأنه مرض قاتل ، إن لم يشفه منه أهلكه ، لكانت كراهته وبغضه إياه مع كونه مبتلى به ، من أسباب الشفاء والهداية ، ولكن من أعظم أسباب الشقاء والضلال محبته له ورضاه به ، وكراهته الهدى والحق. فلو أن المطبوع على قلبه المختوم عليه كره ذلك ، ورغب إلى الله في فك ذلك عنه ، وفعل مقدوره ، لكان هداه أقرب شيء إليه ، ولكن إذا استحكم الطبع والختم ، حال بينه وبين كراهة ذلك وسؤال الرب فكه وفتح قلبه.