والمعنى : لم نخلق قلوبهم غلفا لا تعي ولا تفقه ، ثم نأمرهم بالإيمان ، وهم لا يفهمونه ولا يفقهونه ، بل اكتسبوا أعمالا عاقبناهم عليها بالطبع على القلوب والختم عليها.
فصل
وأما الحجاب ففي قوله تعالى حكاية عنهم : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ (٥)) [فصلت] وقوله : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥)) [الإسراء] على أصح القولين ، والمعنى : جعلنا بين القرآن إذا قرأته وبينهم حجابا ، يحول بينهم وبين فهمه وتدبره والإيمان به ، ويبيّنه قوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً (٤٦)) [الإسراء] وهذه الثلاثة هي الثلاثة المذكورة في قوله : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ (٥)) [فصلت] فأخبر سبحانه أن ذلك جعله ، فالحجاب يمنع رؤية الحقّ ، والأكنة تمنع من فهمه ، والوقر يمنع من سماعه.
وقال الكلبي : الحجاب هاهنا مانع يمنعهم من الوصول إلى رسول الله بالأذى ، من الرعب ونحوه مما يصدهم عن الإقدام عليه ، ووصفه بكونه مستورا ، فقيل : بمعنى ساتر ، وقيل : على النسب ، أي : ذو ستر ، والصحيح أنه على بابه ، أي : مستورا عن الأبصار فلا يرى. ومجيء مفعول بمعنى فاعل لا يثبت ، والنسب في مفعول لم يشتق من فعله كمكان مهول ، أي : ذي هول ، ورجل مرطوب أي : ذي رطوبة. فأما مفعول فهو جار على فعله ، فهو الذي وقع عليه الفعل كمضروب ومجروح ومستور.