قال ابن قتيبة : هي تحريم الله سبحانه عليهم كثيرا مما أطلقه لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وجعلها أغلالا ، لأن التحريم يمنع كما يقبض الغل اليد.
وقوله : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ (٨)) [يس] ، قالت طائفة : الضمير يعود إلى الأيدي ، وإن لم تذكر لدلالة السياق عليها ، قالوا : لأن الغل يكون في العنق ، فتجمع إليه اليد ، ولذلك سمّي ، جامعة ، وعلى هذا فالمعنى : فأيديهم أو فأيمانهم مضمومة إلى أذقانهم ، هذا قول الفراء والزجاج. وقالت طائفة : الضمير يرجع إلى الأغلال ، وهذا هو الظاهر ، وقوله : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) أي : واصلة وملزوزة إليها ، فهو غلّ عريض ، قد أحاط بالعنق حتى وصل إلى الذقن.
وقوله : (فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨)) [يس] قال الفراء والزجاج : المقمح هو الغاضّ بصره بعد رفع رأسه ، ومعنى الإقماح في اللغة : رفع الرأس وغضّ البصر ، يقال : أقمح البعير رأسه ، وقمح. وقال الأصمعي : بعير قامح : إذا رفع رأسه عن الحوض ، ولم يشرب.
قال الأزهري : لما غلت أيديهم إلى أعناقهم ، رفعت الأغلال أذقانهم ورءوسهم صعدا كالإبل الرافعة رءوسها ، انتهى.
فإن قيل : فما وجه التشبيه بين هذا وبين حبس القلب عن الهدى والإيمان؟.
قيل : أحسن وجه وأبينه ، فإنّ الغلّ إذا كان في العنق واليد مجموعة إليها ، منع اليد عن التصرف والبطش ، فإذا كان عريضا قد ملأ العنق ووصل إلى الذقن ، منع الرأس من تصويبه ، وجعل صاحبه شاخص الرأس منتصبه ، لا يستطيع له حركة ، ثم أكد هذا المعنى والحبس بقوله : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا (٩)) [يس].