والتقسية من كمال عدل الرب سبحانه في أعدائه ، جعله عقوبة لهم على كفرهم وإعراضهم كعقوبته لهم بالمصائب ؛ ولهذا كان محمودا عليه ، فهو حسن منه ، وأقبح شيء منهم ، فإنه عدل منه وحكمة ، وهو ظلم منهم وسفه. فالقضاء والقدر فعل عادل حكيم غني عليم ، يضع الخير والشر في أليق المواضع بهما ، والمقضي المقدّر يكون ظلما وجورا وسفها. وهو فعل جاهل ظالم سفيه.
فصل
وأما الصرف فقال تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧)) [التوبة] فأخبر سبحانه عن فعلهم ، وهو الانصراف ، وعن فعله فيهم وهو صرف قلوبهم عن القرآن وتدبره ، لأنهم ليسوا أهلا له ، فالمحل غير صالح ولا قابل ، فإنّ صلاحية المحل بشيئين : حسن فهم ، وحسن قصد ، وهؤلاء قلوبهم لا تفقه ، وقصودهم سيئة ، وقد صرح سبحانه بهذا في قوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)) [الأنفال] فأخبر سبحانه عن عدم قابلية الإيمان فيهم ، وأنهم لا خير فيهم يدخل بسببه إلى قلوبهم ، فلم يسمعهم سماع إفهام ، ينتفعون به ، وإن سمعوه سماعا تقوم به عليهم حجته ، فسماع الفهم الذي سمعه به المؤمنون لم يحصل لهم. ثم أخبر سبحانه عن مانع آخر ، قام بقلوبهم يمنعهم من الإيمان ، لو أسمعهم هذا السماع الخاص ، وهو الكبر والتولّي والإعراض ، فالأول مانع من الفهم ، والثاني مانع من الانقياد والإذعان. فأفهام سيئة ، وقصود ردية ، وهذه