وأنت إذا أبغضت رجلا بغضا شديدا ، أو أبغضت كلامه ومجالسته ، تجد على عينك غشاوة عند رؤيته ومخالطته ، فتلك أثر البغض والإعراض عنه ، وغلّظت على الكفار عقوبة لهم على إعراضهم ونفورهم عن الرسول ، وجعل الغشاوة عليها يشعر بالإحاطة على ما تحته كالعمامة ، ولما عشوا عن ذكره الذي أنزله ، صار ذلك العشا غشاوة على أعينهم ، فلا تبصر مواقع الهدى.
فصل
وأما الصد فقال تعالى : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ (٣٧)) [غافر].
قرأ أهل الكوفة على البناء للمفعول حملا على زيّن ، وقرأ الباقون : وصدّ بفتح الصاد ، ويحتمل وجهين : أحدهما إعراض ، فيكون لازما ، والثاني يكون صد غيره ، فيكون متعديا ، والقراءتان كالآيتين لا يتناقضان. وأما الشد على القلب ففي قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما (٨٩)) [يونس].
فهذا الشدّ على القلب هو الصدّ والمنع ، ولهذا قال ابن عباس : يريدا (١) منعها ، والمعنى : قسّها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان ، وهذا مطابق لما في التوراة ، إن الله سبحانه قال لموسى اذهب إلى فرعون ، فإني سأقسّي قلبه ، فلا يؤمن حتى تظهر آياتي وعجائبي بمصر ، وهذا الشد
__________________
(١) هكذا وردت ، والأصل أن تكون «يريدان».