فصل
وأما البكم فقال تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ (١٨)) [البقرة] والبكم جمع أبكم ، وهو الذي لا ينطق ، والبكم نوعان : بكم القلب ، وبكم اللسان. كما أن النطق نطقان : نطق القلب ، ونطق اللسان. وأشدهما بكم القلب ، كما أن عماه وصممه أشد من عمى العين وصمم الأذن ، فوصفهم سبحانه بأنهم لا يفقهون الحق ، ولا تنطق به ألسنتهم. والعلم يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب من سمعه وبصره وقلبه ، وقد سدّت عليهم هذه الأبواب الثلاثة ، فسدّ السمع بالصمم ، والبصر بالعمى ، والقلب بالبكم ، ونظيره قوله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها (١٧٩)) [الأعراف] وقد جمع سبحانه بين الثلاثة في قوله : (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ (٢٦)) [الأحقاف] فإذا أراد سبحانه هداية عبد ، فتح قلبه وسمعه وبصره ، وإذا أراد ضلاله ، أصمّه وأعماه وأبكمه. وبالله التوفيق.
فصل
وأما الغشاوة : فهو غطاء العين ، كما قال تعالى : (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً (٢٣)) [الجاثية] وهذا الغطاء سرى إليها من غطاء القلب ، فإنّ ما في القلب يظهر على العين من الخير والشر ، فالعين مرآة القلب ، تظهر ما فيه ،