فصل
وأما تقليب الأفئدة فقال تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)) [الأنعام] وهذا عطف على أنها إذا جاءت لا يؤمنون ، أي : نحول بينهم وبين الإيمان ، ولو جاءتهم تلك الآية فلا يؤمنون ، واختلف في قوله : كما لم يؤمنوا به أول مرة ، فقال كثير من المفسرين : المعنى نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم الآية ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة. قال ابن عباس في رواية عطاء عنه : ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم حتى يرجعوا إلى ما سبق عليهم من علمي. قال : وهذا كقوله : واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه. وقال آخرون : المعنى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ، لتركهم الإيمان به أول مرة ، فعاقبناهم بتقليب أفئدتهم وأبصارهم ، وهذا معنى حسن ، فإنّ كاف التشبيه تتضمن نوعا من التعليل كقوله : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ (٧٧)) [القصص] وقوله : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (١٥٢)) [البقرة].
والذي حسّن اجتماع التعليل والتشبيه الإعلام بأن الجزاء من جنس العمل ، في الخير والشر ، والتقليب تحويل الشيء من وجه إلى وجه ، وكان الواجب من مقتضى إنزال الآية ، ووصولهم إليها كما سألوا ، أن يؤمنوا إذا جاءتهم لأنهم رأوها عيانا ، وعرفوا أدلتها ، وتحققوا صدقها ، فإذا لم يؤمنوا ، كان ذلك تقليبا لقلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي ينبغي أن تكون عليه.