فصل
وأما الخذلان فقال تعالى : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ (١٦٠)) [آل عمران].
وأصل الخذلان الترك والتخلية ، ويقال للبقرة والشاة إذا تخلفت مع ولدها في المرعى ، وتركت صواحباتها : خذول.
قال محمد بن إسحاق في هذه الآية : إن ينصرك الله ، فلا غالب لك من الناس ، ولن يضرك خذلان من خذلك ، وإن يخذلك ، فلن ينصرك الناس ، أي : لا تترك أمري للناس ، وارفض الناس لأمري.
والخذلان : أن يخلي الله تعالى بين العبد وبين نفسه ، ويكله إليها ، والتوفيق ضده ، أن لا يدعه ونفسه ، ولا يكله إليها ، بل يصنع له ، ويلطف به ، ويعينه ، ويدفع عنه ، ويكلؤه كلاءة الوالد الشفيق للولد العاجز عن نفسه ، فمن خلّي بينه وبين نفسه ، فقد هلك كل الهلاك ، ولهذا كان من دعائه صلىاللهعليهوسلم : «يا حيّ يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك» (١).
فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس ، فإن تولّاه الله ، لم يظفر به
__________________
(١) صحيح رواه أحمد (٥ / ٤٢) عن أبي بكرة ، والقسم الأول من الحديث رواه أحمد (٣ / ١٥٨ ، ٢٤٥) عن أنس. والظاهر أن المؤلف قد جمع بين حديثين.