من لم يرفع به وبرسوله أو كتابه رأسا ، ولم يقبل هديته التي أهداها إليه على يد أحبّ خلقه إليه وأكرمهم عليه ، ولم يعرف قدر هذه النعمة ولا شكرها ، بل بدّلها كفرا ، فإنّ طاعة هذا وخروجه مع رسوله يكرهه الله سبحانه ، فثبّطه لئلا يقع ما يكره من خروجه ، وأوحى إلى قلبه قدرا وكونا أن يقعد مع القاعدين.
ثم أخبر سبحانه عن الحكمة التي تتعلق بالمؤمنين في تثبيط هؤلاء عنهم ، فقال : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا (٤٧)) [التوبة] والخبال : الفساد والاضطراب ، فلو خرجوا مع المؤمنين لأفسدوا عليهم أمرهم ، فأوقعوا بينهم الاضطراب والاختلاف. قال ابن عباس : ما زادوكم إلا خبالا ، عجزا وجبنا ، يعني : يجبّنوهم (١) عن لقاء العدو بتهويل أمرهم وتعظيمهم في صدورهم ، ثم قال : ولأوضعوا خلالكم ، أي : أسرعوا في الدخول بينكم ، للتفريق والإفساد. قال ابن عباس : يريد ضعّفوا شجاعتكم ، يعني بالتفريق بينهم لتفرق الكلمة ، فيجنبوا عن العدو ، وقال الحسن : لأوضعوا خلالكم بالنميمة لإفساد ذات البين ، وقال الكلبيّ : ساروا بينكم يبغونكم العيب. قال لبيد :
أرانا موضعين لختم عيب |
|
وسحر بالطعام وبالشراب |
أي : مسرعين ، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
تبا لهن بالعرفان لما عرفنني |
|
وقلن امرؤ باغ وأوضعا |
أي : أسرع حتى كلّت مطيّته (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (٤٧)) [التوبة] قال قتادة : وفيكم من سمع كلامهم ، ويطيعهم. وقال ابن إسحاق :
__________________
(١) هكذا وردت ، والصحيح (يجبنونهم).