وفيكم قوم أهل محبة لهم وطاعة ، فيما يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم. ومعناه على هذا القول : وفيكم أهل سمع وطاعة لهم ، لو صحبهم هؤلاء المنافقون أفسدوهم عليكم. قلت : فتضمن سماعين معنى مستجيبين. وقال مجاهد وابن زيد والكلبي : المعنى وفيكم عيون لهم ، ينقلون إليهم ما يسمعون منكم ، أي : جواسيس. والقول هو الأول ، كما قال تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ (٤١)) [المائدة] ، أي قابلون له ، ولم يكن في المؤمنين جواسيس للمنافقين ، فإن المنافقين كانوا مختلطين بالمؤمنين ، ينزلون معهم ، ويرحلون ويصلون معهم ويجالسونهم ، ولم يكونوا متحيزين عنهم ، قد أرسلوا فيهم العيون ، ينقلون إليهم أخبارهم ، فإنّ هذا إنما يفعله من انحاز عن طائفة ، ولم يخالطها ، وأرصد بينهم عيونا له ، فالقول قول قتادة وابن إسحاق ، والله أعلم.
فإن قيل : انبعاثهم إلى طاعته طاعة له ، فكيف يكرهها؟ وإذا كان سبحانه يكرهها ، فهو يحبّ ضدّها لا محالة ، إذ كراهة أحد الضدين تستلزم محبة الضد الآخر ، فيكون قعودهم محبوبا له ، فكيف يعاقبهم عليه؟.
قيل : هذا سؤال له شأن ، وهو من أكبر الأسئلة في هذا الباب. وأجوبة الطوائف على حسب أصولهم.
فالجبرية تجيب عنه بأنّ أفعاله لا تعلّل بالحكم والمصالح ، وكل ممكن فهو جائز عليه ، ويجوز أن يعذبهم على فعل ما يحبّه ويرضاه ، وترك ما يبغضه ويسخطه ، والجميع بالنسبة إليه سواء. وهذه الفرقة قد سدت على نفسها باب الحكمة والتعليل.
والقدرية تجيب عنه على أصولها ، بأنه سبحانه لم يثبّطهم حقيقة ، ولم يمنعهم ، بل هم منعوا أنفسهم وثبطوها عن الخروج ، وفعلوا ما لا يريد ،