ولما كان في خروجهم المفسدة التي ذكرها الله سبحانه ، ألقى في نفوسهم كراهة الخروج مع رسوله. قالوا : وجعل سبحانه إلقاء كراهة الانبعاث في قلوبهم كراهة مشيئة ، من غير أن يكره هو سبحانه انبعاثهم ، فإنه أمرهم به. قالوا : وكيف يأمرهم بما يكرهه؟ ولا يخفى على من نوّر الله بصيرته فساد هذين الجوابين وبعدهما من دلالة القرآن ، فالجواب الصحيح أنه سبحانه أمرهم بالخروج طاعة له ولأمره ، واتباعا لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ونصرة له وللمؤمنين ، وأحبّ ذلك منهم ورضيه لهم دينا ، وعلم سبحانه أن خروجهم ، لو خرجوا ، لم يقع على هذا الوجه ، بل يكون خروجهم خروج خذلان لرسوله وللمؤمنين ، فكان خروجا يتضمن خلاف ما يحبه ويرضاه ، ويستلزم وقوع ما يكرهه ويبغضه ، فكان مكروها له ، من هذا الوجه ، ومحبوبا له من الوجه الذي خرج عليه أولياءه ، وهو يعلم أنه لا يقع منهم إلا على الوجه المكروه إليه ، فكرهه ، وعاقبهم على ترك الخروج الذي يحبه ويرضاه ، لا على ترك الخروج الذي يبغضه ويسخطه ، وعلى هذا فليس الخروج الذي كرهه منهم طاعة ، حتى لو فعلوه ، لم يثبهم عليه ، ولم يرضه منهم ، وهذا الخروج المكروه له ضدان :
أحدهما : الخروج المرضي المحبوب ، وهذا الضد هو الذي يحبه.
والثاني : التخلف عن رسوله والقعود عن الغزو معه ، وهذا الضد يبغضه ويكرهه أيضا.
وكراهته للخروج على الوجه الذي كانوا يخرجون عليه لا ينافي كراهته لهذا الضد ، فنقول للسائل : قعودهم مبغوض له ، ولكن هاهنا أمران مكروهان له سبحانه ، وأحدهما أكره له من الآخر ، لأنه أعظم مفسدة ، فإن قعودهم مكروه له ، وخروجهم على الوجه الذي ذكره أكره إليه ، ولم يكن لهم بدّ من أحد المكروهين إليه سبحانه ، فدفع المكروه الأعلى بالمكروه الأدنى ، فإنّ