مفسدة قعودهم عنه أصغر من مفسدة خروجهم معه ، فإن مفسدة قعودهم تختصّ بهم ، ومفسدة خروجهم تعود على المؤمنين ، فتأمّل هذا الموضع.
فإن قلت : فهلا وفّقهم للخروج الذي يحبه ويرضاه ، وهو الذي خرج عليه المؤمنون؟.
قلت : قد تقدم جواب مثل هذا السؤال مرارا ، وأن حكمته سبحانه تأبى أن يضع التوفيق في غير محله ، وعند غير أهله ، فالله أعلم حيث يجعل هداه وتوفيقه وفضله.
وليس كلّ محل يصلح لذلك ، ووضع الشيء في غير محله لا يليق بحكمته.
فإن قلت : وعلى ذلك فهلا جعل المحالّ كلها صالحة؟.
قلت : يأباه كمال ربوبيته وملكه وظهور آثار أسمائه وصفاته في الخلق والأمر ، وهو سبحانه لو فعل ذلك لكان محبوبا له ، فإنه يحب أن يذكر ويشكر ويطاع ويوحّد ويعبد ، ولكن كان ذلك يستلزم فوات ما هو أحب إليه من استواء أقدام الخلائق في الطاعة والإيمان وهو محبته لجهاز أعدائه والانتقام منهم وإظهار قدر أوليائه وشرفهم ، وتخصيصهم بفضله وبذل نفوسهم له في معاداة من عاداه ، وظهور عزته وقدرته وسطوته وشدّة أخذه وأليم عقابه ، وأضعاف أضعاف هذه الحكم التي لا سبيل للخلق ، ولو تناهوا في العلم والمعرفة إلى الإحاطة بها ، ونسبة ما عقلوه منها إلى ما خفي عليهم كنقرة عصفور في بحر.