ووحيه بأنه روح ، لحصول حياة القلب به ، فيكون القلب حيا ، ويزداد حياة بروح الوحي ، فيحصل له حياة على حياة ونور على نور ، نور الوحي على نور الفطرة قال : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (١٥)) [غافر] وقال (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا (٥٢)) [الشورى] فجعله روحا لما يحصل به من الحياة ، ونورا لما يحصل به من الهدى والإضاءة ، وذلك نور وحياة زائدة على نور الفطرة وحياتها ، فهو نور على نور ، وحياة على حياة.
ولهذا يضرب سبحانه ، لمن عدم ذلك مثلا بمستوقد النار التي ذهب عنه ضوؤها ، وبصاحب الصيّب الذي كان حظّه منه الصواعق والظلمات والرعد والبرق ، فلا استنار بما أوقد من النار ، ولا حيّ بما في الصيب من الماء ، ولذلك ضرب هذين المثلين ، في سورة الرعد ، لمن استجاب له ، فحصل على الحياة والنور ، ولمن لم يستجب له ، وكان حظه الموت والظلمة ، فأخبر عمن أمسك عنه نوره بأنه في الظلمة ، ليس له من نفسه نور ، فقال تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ... عَلِيمٌ (٣٥)) [النور].
ثم ذكر من أمسك عنه هذا النور ، ولم يجعله له ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)) [النور].