وفي المسند (١) من حديث عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «إنّ الله خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضل ، فلذلك أقول : جفّ القلم على علم الله».
وقال تعالى (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)) [الأنعام] وهذه الظلمات ضد الأنوار التي يتقلّب فيها المؤمن ، فإن نور الإيمان في قلبه ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه نور ، ومشيته في الناس نور ، وكلامه نور ، ومصيره إلى نور. والكافر بالضد.
ولما كان النور من أسمائه الحسنى وصفاته ، كان دينه نورا ، ورسوله نورا ، وكلامه نورا ، وداره نورا يتلألأ. والنور يتوقّد في قلوب عباده المؤمنين ، ويجري على ألسنتهم ، ويظهر على وجوههم ، وكذلك لما كان الإيمان ، واسمه المؤمن لم يعطه إلا أحبّ خلقه إليه ، وكذلك الإحسان صفته ، وهو المحسن ويحب المحسنين ، وهو صابر يحب الصابرين ، شاكر يحب الشاكرين ، عفوّ يحبّ أهل العفو ، حييّ يحب أهل الحياء ، ستّير يحب أهل الستر ، قوي يحب أهل القوة من المؤمنين ، عليم يحب أهل العلم من عباده ، جواد يحب أهل الجود ، جميل يحب المتجملين ، برّ يحب الأبرار ، رحيم يحب الرحماء ، عدل يحب أهل العدل ، رشيد يحب أهل الرشد ، وهو الذي جعل من يحبه من خلقه كذلك ، وأعطاه من هذه الصفات ما شاء ، وأمسكها عمن يبغضه ، وجعله على أضدادها ، فهذا عدله ، وذاك فضله. والله ذو الفضل العظيم.
__________________
(١) أخرجه أحمد ٢ / ١٧٦ و ١٩٧ ، والترمذي (٢٦٤٢) وانظر المسند الجامع ١١ / ١٦ (٨٣٣٠).