والمريض ، وهو سبحانه الذي جعل بعض القلوب مخبتا إليه وبعضها قاسيا ، وجعل للقسوة آثارا ، وللإخبات آثارا ، فمن آثار القسوة تحريف الكلم عن مواضعه ، وذلك من سوء الفهم وسوء القصد ، وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب ومنها نسيان ما ذكّر به وهو ترك ما أمر به ، علما وعملا ، ومن آثار الإخبات وجل القلوب لذكره سبحانه ، والصبر على أقداره ، والإخلاص في عبوديته والإحسان إلى خلقه.
فصل
وأما تضييق الصدر ، وجعله حرجا لا يقبل الإيمان فقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ (١٢٥)) [الانعام] والحرج : هو الشديد الضيق في قول أهل اللغة جميعهم ، يقال : رجل حرج ، وحرج أي : ضيّق الصدر ، قال الشاعر :
لا حرج الصدر ولا عنيف.
وقال عبيد بن عمير : قرأ ابن عباس هذه الآية فقال : هل هنا أحد من بني بكر؟ قال رجل : نعم ، قال : ما الحرجة فيكم؟ قالوا : الوادي الكثير الشجر الذي لا طريق فيه ، فقال ابن عباس : كذلك قلب الكافر.
وقرأ عمر بن الخطاب الآية فقال : ايتوني رجلا من كنانة ، واجعلوه راعيا ، فأتوه به فقال عمر : يا فتى ما الحرجة فيكم؟ فقال : الشجرة تحدق بها الأشجار الكثيرة ، فلا تصل إليها راعية ولا وحشية ، فقال عمر : كذلك قلب الكافر ، لا يصل إليه شيء من الخير.