لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ (٥٤)) [الحج].
فذكر القلب المريض ، وهو الضعيف المنحل الذي لا تثبت فيه صورة الحق ، والقلب القاسي اليابس الذي لا يقبلها ، ولا تنطبع فيه ، فهذان القلبان شقيّان معذّبان ، ثم ذكر القلب المخبت المطمئن إليه ، وهو الذي ينتفع بالقرآن ويزكو به.
قال الكلبي : فتخبت له قلوبهم ، فترقّ للقرآن قلوبهم ، وقد بين سبحانه حقيقة الإخبات ، ووصف المخبتين في قوله : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)) [الحج].
فذكر للمخبتين أربع علامات : وجل قلوبهم عند ذكره ، والوجل خوف مقرون بهيبة ومحبة. وصبرهم على أقداره. وإتيانهم بالصلاة قائمة الأركان ظاهرا وباطنا. وإحسانهم إلى عباده بالإنفاق مما آتاهم. وهذا إنما يتأتى للقلب المخبت ، قال ابن عباس : المخبتين : المتواضعين. وقال مجاهد : المطمئنين إلى الله. وقال الأخفش : الخاشعين. وقال ابن جرير : الخاضعين. قال الزجاج : اشتقاقه من الخبت وهو المنخفض من الأرض ، وكل مخبت متواضع ، فالإخبات سكون الجوارح على وجه التواضع والخشوع لله.
فإن قيل : فإذا كان معناه التواضع والخشوع ، فكيف عدّي بإلى في قوله : (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ (٢٣)) [هود] قيل : ضمّن معنى أنابوا واطمأنوا وتابوا ، وهذه عبارات السلف في هذا الموضع ، والمقصود أنّ القلب المخبت ضد القاسي