ما لا نسبة لما قبله إليه ، فشرح الصدر كما أنه سبب الهداية ، فهو أصل كلّ نعمة وأساس كل خير.
وقد سأل كليم الرحمن موسى بن عمران ربّه أن يشرح له صدره ، لما علم أنه لا يتمكن من تبليغ رسالته والقيام بأعبائها إلا إذا شرح له صدره ، وقد عدّد سبحانه من نعمه على خاتم أنبيائه ورسله شرح صدره له ، وأخبر عن أتباعه أنه شرح صدورهم للإسلام.
فإن قلت : فما الأسباب التي تشرح الصدر والتي تضيقه؟.
قلت : السبب الذي يشرح الصدر النور الذي يقذفه الله فيه ، فإذا دخله ذلك النور ، اتّسع بحسب قوة النور وضعفه ، وإذا فقد ذلك النور ، أظلم وتضايق.
فإن قلت : فهل يمكن اكتساب هذا النور ، أم هو وهبي؟.
قلت : هو وهبي وكسبيّ ، واكتسابه أيضا مجرد موهبة من الله تعالى ، فالأمر كله لله ، والحمد كله له ، والخير كله بيديه ، وليس مع العبد من نفسه شيء البتة ، بل الله واهب الأسباب ومسبباتها ، وجاعلها أسبابا ، ومانحها من يشاء ، ومانعها من يشاء ، إذا أراد بعبده خيرا ، وفّقه لاستفراغ وسعه وبذل جهده في الرغبة والرهبة إليه ، فإنهما مادتا التوفيق ، فبقدر قيام الرغبة والرهبة في القلب يحصل التوفيق.
فإن قلت : فالرغبة والرهبة بيده لا بيد العبد؟.
قلت : نعم والله! وهما مجرّد فضله ومنّته ، وإنما يجعلهما في المحل الذي يليق بهما ، ويحبسهما عمن لا يصلح لهما.
فإن قلت : فما ذنب من لا يصلح؟.