هذا وأعمال العبد مستحقة عليه بمقتضى كونه عبدا مملوكا مستعملا فيما يأمره به سيده ، فنفسه مملوكة ، وأعماله مستحقة بموجب العبودية ، فليس له شيء من أعماله ، كما أنه ليس له ذرة من نفسه ، فلا هو مالك لنفسه ولا صفاته ولا أعماله ولا لما بيده من المال في الحقيقة ، بل كلّ ذلك مملوك عليه ، مستحق عليه لمالكه أعظم استحقاقا من سيّد اشترى عبدا بخالص ماله ، ثم قال اعمل وأدّ إليّ ، فليس لك في نفسك ولا في كسبك شيء ، فلو عمل هذا العبد من الأعمال ما عمل ، فإن ذلك كله مستحق عليه لسيده ، وحق من حقوقه عليه ، فكيف بالمنعم المالك على الحقيقة ، الذي لا تعدّ نعمه وحقوقه على عبده ، ولا يمكن أن تقابلها طاعاته بوجه ، فلو عذبه سبحانه لعذبه وهو غير ظالم له ، وإذا رحمه فرحمته خير له من أعماله ، ولا تكون أعماله ثمنا لرحمته البتة.
فلولا فضل الله ورحمته ومغفرته ما هنّا أحدا عيش البتة ، ولا عرف خالقه ، ولا ذكره ، ولا آمن به ، ولا أطاعه. فكما أن وجود العبد محض وجوده وفضله ومنّته عليه ، وهو المحمود على إيجاده ، فتوابع وجوده كلها كذلك ، ليس للعبد منها شيء ، كما ليس له في وجوده شيء. فالحمد كله لله ، والفضل كله له ، والإنعام كله له ، والحق له على جميع خلقه ، ومن لم ينظر في حقه عليه وتقصيره وعجزه عن القيام به ، فهو من أجهل الخلق بربه وبنفسه ، ولا تنفعه طاعاته ، ولا يسمع دعاؤه.
قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن وهب ، قال : بلغني أنّ نبيّ الله موسى مرّ برجل يدعو ويتضرع ، فقال : يا ربّ ارحمه ، فإني قد رحمته ، فأوحى الله تعالى إليه : لو دعاني حتى ينقطع فؤاده