ما استجبت له حتى ينظر في حقّي عليه (١).
والعبد يسير إلى الله سبحانه ، بين مشاهدة منّته عليه ونعمه وحقوقه ، وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته ، فهو يعلم أنّ ربه لو عذّبه أشدّ العذاب لكان قد عدل فيه ، وأنّ أقضيته كلها عدل فيه ، وأن ما فيه من الخير فمجرد فضله ومنّته وصدقته عليه ، ولهذا كان في حديث سيد الاستغفار : «أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي» (٢) فلا يرى نفسه إلا مقصرا مذنبا ، ولا يرى ربه إلا محسنا متفضلا.
وقد قسم الله خلقه إلى قسمين ، لا ثالث لهما : تائبين. وظالمين ، فقال : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)) [الحجرات].
وكذلك جعلهم قسمين : معذبين. وتائبين ، فمن لم يتب فهو معذب ولا بد ، قال تعالى : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (٧٣)) [الأحزاب] وأمر جميع المؤمنين من أولهم إلى آخرهم بالتوبة ، ولا يستثنى من ذلك أحد ، وعلّق فلاحهم بها ، قال تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١)) [النور].
وعدّد سبحانه من جملة نعمه على خير خلقه وأكرمهم عليه ، وأطوعهم له وأخشاهم له أن تاب عليه وعلى خواص أتباعه ، فقال : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) ثم كرر توبته عليهم فقال : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)) [التوبة] وقدم توبته عليهم على توبة الثلاثة الذين خلّفوا ، وأخبر سبحانه أن الجنة التي وعدها أهلها ، في التوراة والإنجيل ، أنها
__________________
(١) رواه أحمد في «الزهد» / عن وهب وهو ابن منبه ، وفي السند انقطاع لعله من الناسخ.
(٢) رواه البخاري (٦٣٢٣) عن شداد بن أوس.