والله تعالى يحبّ التوابين. والتوبة من أحبّ الطاعات إليه ، ويكفي في محبتها شدة فرحه بها ، كما في صحيح مسلم (١) عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال الله عزوجل : «أنا عند ظنّ عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، والله! لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم ، يجد ضالّته في الفلاة».
وفي الصحيحين (٢) من حديث عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دويّة مهلكة ، معه راحلته ، عليها طعامه وشرابه ، فنام ، فاستيقظ وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : أرجع إلى المكان الذي كنت فيه ، فأنام حتى أموت ، فوضع رأسه على ساعده ليموت ، فاستيقظ وعنده راحلته ، عليها زاده وطعامه وشرابه ، فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده».
وفي صحيح مسلم (٣) عن النعمان بن بشير ، يرفعه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده من رجل حمل زاده ومزاده على بعير. ثم سار حتى كان بفلاة ، فأدركته القائلة ، فنزل فقال (٤) تحت شجرة ، فغلبته عينه ، وانسلّ بعيره ، فاستيقظ فسعى شرفا فلم ير شيئا ، ثم سعى شرفا ثانيا ، ثم سعى شرفا ثالثا فلم ير شيئا ، فأقبل حتى أتى إلى مكانه الذي قال فيه ، فبينا هو قاعد فيه إذ جاء بعيره يمشي حتى وضع خطامه في يده ، فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد من هذا حين وجد بعيره».
فتأمل محبته سبحانه لهذه الطاعة التي هي أصل الطاعات وأساسها ، فإن
__________________
(١) مسلم (٢٦٧٥).
(٢) البخاري (٦٣٠٨) ومسلم (٢٧٤٤).
(٣) مسلم (٢٧٤٥).
(٤) قال : نام ساعة القيلولة (عند الظهيرة).