من زعم أن أحدا من الناس يستغني عنها ، ولا حاجة به إليها ، فقد جهل حق الربوبية ومرتبة العبودية ، وينتقص بمن أغناه ، بزعمه ، عن التوبة ، من حيث زعم أنه معظّم له ، إذ عطّله عن هذه الطاعة العظيمة التي هي من أجلّ الطاعات ، والقربة الشريفة التي هي من أجلّ القربات ، وقال : لست من أهل هذه الطاعة ، ولا حاجة بك إليها. فلا قدّر الله حق قدره ، ولا قدر العبد حق قدره ، وقد جعل بعض عباده غنيا عن مغفرة الله وعفوه وتوبته إليه ، وزعم أنه لا يحتاج إلى ربه في ذلك.
وفي الصحيحين (١) من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب عن أحدكم ، من رجل كان على راحلته ، بأرض فلاة ، فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة ، فاضطجع وقد يئس من راحلته ، فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربّك ، أخطأ من شدة الفرح».
وأكمّل الخلق أكملهم توبة وأكثرهم استغفارا.
وفي صحيح البخاري (٢) عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
ولما سمع أبو هريرة هذا من النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يقول ما رواه الإمام أحمد في «كتاب الزهد» عنه : إني لأستغفر الله في اليوم والليلة اثني عشر ألف مرة بقدر ديتي ، ثم ساقه من طريق آخر ، وقال : بقدر ذنبه.
__________________
(١) البخاري (٦٣٠٩) ومسلم (٢٧٤٧) عن أنس.
(٢) البخاري (٦٣٠٧) عن أبي هريرة.