وذكر اختلاف طرائقهم واضطرابهم فيه ، ثم قال : وقد قال الأستاذ في «المختصر» : قول أهل الحق في الكسب لا يرجع إلى إثبات قدرة للعبد عليه ، كما يقال أنه معلوم له ، إلا أن الإمام ادعى على الأستاذ أنه أثبت للقدرة الحادثة أثرا في الحدوث ، فإنه لما نفى الأحوال ، وأثبت للقدرة الحادثة أثرا ، فلا يعقل الجمع بينهما إلا أن يكون الأثر في الحدوث ، ثم ذكر لنفسه مذهبا ، ذكره في الكتاب المترجم بالنظامية ، وانفرد به عن الأصحاب ، وهو قريب من مذهب المعتزلة ، والخلاف بينه وبينهم فيه في الاسم ، قال : وهذه العقدة التي تورط الأصحاب فيها في الكسب شبيهة بالعقدة التي وقعت بين الأئمة في القراءة والمقروء ، قال : وما ذكره الإمام في النظامية له وجه غير أنه مما انفرد بإطلاقه ، ولكل ناظر نظرة ، والله يرحمنا وإياه.
قلت : الذي قاله الإمام في النظامية أقرب إلى الحق مما قاله الأشعري وابن الباقلاني ومن تابعهما ، ونحن نذكر كلامه بلفظه قال : قد تقرر عند كل حاظ بعقله مترقّ عن مراتب التقليد في قواعد التوحيد أن الرب سبحانه يطالب عباده بأعمالهم في حياتهم ودواعيهم إليها ، ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم ، وتبين بالنصوص التي لا تتعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طالبهم به ، ومكّنهم من التوصل إلى امتثال الأمر والانكفاف عن مواقع الزجر ، ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام ، ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به ، ومن نظر في كليات الشرائع وما فيها من الاستحثاث والزواجر عن الفواحش الموبقات وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات ، ثم تلفّت على الوعد والوعيد وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الأنباء عما يتوجه على المردة العتاة من الحساب والعقاب وسوء المنقلب والمآب ، وقول الله لهم : لم تعدّيتم وعصيتم وأبيتم ، وقد أرخيت لكم الطّول ، وفسحت لكم المهل ، وأرسلت الرسل ، وأوضحت المحجّة لئلا يكون للناس عليّ حجة ، وأحاط بذلك كله ، ثم