استراب في أنّ أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم واختيارهم واقتدارهم ، فهو مصاب في عقله أو مستقر على تقليده ، مصمم على جهله ، ففي المصير إليه أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع ، والتكذيب بما جاء به المرسلون.
فإن زعم من لم يوفّق لمنهج الرشاد أنه لا أثر لقدرة العبد في مقدوره أصلا ، وإذا طولب بمتعلق طلب الله بفعل العبد تحريما وفرضا ، ذهب في الجواب طولا وعرضا ، وقال : لله أن يفعل ما يشاء ، ولا يتعرض للاعتراض عليه المعترضون ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، قيل له : ليس لما جئت به حاصل ، كلمة حقّ أريد بها باطل ، نعم يفعل الله ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ولكن يتقدس عن الخلف ونقيض الصدق ، وقد فهمنا بضرورات المعقول من الشرع المنقول أنه ، عزّت قدرته ، طالب عباده بما أخبر أنهم ممكّنون من الوفاء به ، فلم يكلفهم إلا على مبلغ الطاقة والوسع في موارد الشرع ، ومن زعم أنه لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها ، كما لا أثر للعلم في معلومه ، فوجه مطالبة العبد بأفعاله عنده كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألوانا ، وإدراكات ، وهذا خروج عن حد الاعتدال إلى التزام الباطل والمحال ، وفيه إبطال الشرع ورد ما جاء به النبيون ، فإذا لزم المصير بأن القدرة الحادثة تؤثر في مقدورها ، واستحال إطلاق القول بأن العبد خالق أعماله ، فإن فيه الخروج عما درج عليه سلف الأمة ، واقتحام ورطات الضلال ، ولا سبيل إلى المصير إلى وقوع فعل العبد بقدرته الحادثة والقدرة القديمة ، فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين ، إذ الواحد لا ينقسم ، فإن وقع بقدرة الله استقل بها ، وأسقط أثر القدرة الحادثة ، ويستحيل أن يقع بعضه بقدرة الله تعالى ، فإن الفعل الواحد لا بعض له.
وهذه مهواة لا يسلم من غوائلها إلا مرشد موفق ، إذ المرء بين أن يدّعي