الاستبداد ، وبين أن يخرج نفسه عن كونه مطالبا بالشرائع ، وفيه إبطال دعوة المرسلين ، وبين أن يثبت نفسه شريكا لله في إيجاد الفعل الواحد ، وهذه الأقسام بجملتها باطلة ، ولا ينجي من هذه الملتطم ذكر اسم محض ولقب مجرد ، من غير تحصيل معنى ، وذلك أن قائلا لو قال : العبد يكتسب ، وأثر قدرته الاكتساب ، والرب سبحانه خالق لما العبد مكتسب له ، قيل : فما الكسب ، وما معناه؟ وأديرت الأقسام المتقدمة على هذا القائل ، فلا يجد عنه مهربا ، ثم قال : فنقول : قدرة العبد مخلوقة لله تعالى باتفاق القائلين بالصانع ، والفعل المقدور بالقدرة الحادثة واقع بها قطعا ، ولكنه يضاف إلى الله سبحانه تقديرا وخلقا ، فإنه وقع بفعل الله وهو القدرة فعلا للعبد ، وإنما هي صفته ، وهي ملك لله وخلق له ، فإذا كان موقع الفعل خلقا لله ، فالواقع به مضاف خلقا إلى الله تعالى وتقديرا ، وقد ملك الله تعالى العبد اختيارا ، يصرّف به القدرة ، فإذا أوقع بالقدرة شيئا ، آل الواقع إلى حكم الله من حيث أنه وقع بفعل الله ، ولو اهتدت إلى هذا الفرقة الضالة ، لم يكن بيننا وبينهم خلاف ، ولكنهم ادعوا استبدادا بالاختراع وانفرادا بالخلق والابتداع ، فضلوا وأضلوا.
وتبين تميزنا عنهم بتفريع المذهبين ، فإنّا لما أضفنا فعل العبد إلى تقدير الإله سبحانه ، قلنا : أحدث الله تعالى القدرة في العبد على أقدار ، أحاط بها علمه ، وهيأ أسباب الفعل ، وسلب العبد العلم بالتفاصيل ، وأراد من العبد أن يفعل ، فأحدث فيه دواعي مستحثة وخيرة وإرادة ، وعلم أن الأفعال ستقع على قدر معلوم ، فوقعت بالقدرة التي اخترعها العبد على ما علم ، وأراد ، فاختيارهم واتصافهم بالاقتداء والقدرة خلق الله ابتداء ، ومقدورها مضاف إليه مشيئة وعلما وقضاء وخلقا من حيث إنه نتيجة ما انفرد بخلقه ، وهو القدرة ، ولو لم يرد وقوع مقدورها لما أقدره عليه ، ولما هيأ أسباب وقوعه ، ومن هدي لهذا استمر له الحق المبين ، فالعبد فاعل مختار مطالب مأمور منهي ،