ويحبها إذا وقعت ، فهو يحبها ممّن وقعت منه ، ولا يحبها ممن لم تقع منه ، وهذا من أعظم الباطل والكذب على الله ، بل هو سبحانه يكرهها ويبغضها قبل وقوعها وحال وقوعها ، وبعد وقوعها ، فإنها قبائح وخبائث ، والله منزّه عن محبة القبيح والخبيث ، بل هو أكره شيء إليه ، قال الله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)) [الإسراء].
وقد أخبر سبحانه أنه يكره طاعات المنافقين ، ولأجل ذلك يثبّطهم عنها ، فكيف يحبّ نفاقهم ويرضاه ، ويكون أهله محبوبين له مصطفين عنده مرضيّين؟ ومن هذا الأصل الباطل نشأ قولهم باستواء الأفعال ، بالنسبة إلى الرب سبحانه ، وأنها لا تنقسم في نفسها إلى حسن وقبيح ، فلا فرق ، بالنسبة إليه سبحانه ، بين الشكر والكفر ، ولذلك قالوا : لا يجب شكره على نعمه عقلا ، فعن هذا الأصل قالوا : إن مشيئته هي عين محبته ، وإنّ كلّ ما شاءه فهو محبوب له ومرضي له ومصطفى ومختار ، فلم يمكنهم ، بعد تأصل هذا الأصل ، أن يقولوا : إنه يبغض الأعيان والأفعال التي خلقها ، ويحب بعضها ، بل كلّ ما فعله وخلقه فهو محبوب له ، والمكروه المبغوض ما لم يشأه ولم يخلقه ، وإنما أصّلوا هذا الأصل محافظة منهم على القدر ، فحثوا به على الشرع والقدر ، والتزموا لأجله لوازم ، شوّشوا بها على القدر والحكمة ، وكابروا لأجلها صريح العقل ، وسوّوا بين أقبح القبائح وأحسن الحسنات في نفس الأمر ، وقالوا : هما سواء ، لا فرق بينهما إلا بمجرد الأمر والنهي ، فالكذب عندهم والظلم والبغي والعدوان مساو للصدق والعدل والإحسان ، في نفس الأمر ، ليس في هذا ما يقتضي حسنه ، ولا في هذا ما يقتضي قبحه ، وجعلوا هذا المذهب شعارا لأهل السنة ، والقول بخلافه قول أهل البدع من المعتزلة وغيرهم.
ولعمر الله إنه لمن أبطل الأقوال وأشدها منافاة للعقل والشرع ، ولفطرة الله